على سرير الطوارئ: مريضك غير النموذجي ..

مَن منّا لا يحبّه مريضاً نموذجياً؟

يجيء بشكوى واضحةٍ لا غبار عليها.. بعشر نقاطٍ مكتملة في Alvarado Score، أو مثلثٍ تامٍ لالتهاب القناة الصفراوية، أو ST مرتفعة في تخطيط القلب، لا تخطئها العين، مع مريضٍ متعرقٍ متقطّع الأنفاسٍ، يعتصر ألماً ويضغط بكفّه على صدره.

و مَن منّا يحبّه مريضاً محيّراً؟ يشكو علَّةً مبهمةً لا تسكن بالدواء ولا تفسَّر بالفحوصات، ترتدي نتائج دمه رداءاً بالغ الخُضرة، ويقبع على سريرٍ ينتظره فوجٌ من المرضى الآخرين، فيضعك مكتوفَ اليدينِ في منطقةٍ رماديةِ اليقين مصبوغةٍ بالارتياب ومؤجَّلةِ القرار.

طبيب يقف مكتوف اليدين

-Image by Freepik

لا أنساها ولا تغادر مخيّلتي.. تلك الشابة التي عولجت لنقص الحديد بأكياس وريدية من الحديد، مراراً وتكراراً في سنتين متتاليتين. بلا مزيدٍ من التدقيق، حيث أن فقر الدم عند الشابات هو أكثر شيوعاً من أن يعاد النظر فيه. إلى أن جاءت للطوارئ تشكو ألماً عنيداً ومزمناً بالبطن، طفيفاً حيث لم يرَ طبيبٌ من قبل حاجته للاستكشاف. ممسكةً بصفحات تحوي تقريراً أعجمياً:

“أجريتُ بالأمسِ منظاراً على حسابي في مستشفى آخر، لكنهم لم يعلموني بالنتيجة.”

لقد كانت تحمل تقرير إصابتها بسرطان القولون. تلك المريضة التي لم تكن رجلاً ستّينياً يشكو الإمساك المزمن المتلازم مع فقر الدم -كي تؤخذ احتمالية إصابته بهذا الورم على نحو البداهة-. هي لم تكن -بأيّ حالٍ- مريضةً نموذجية.

في رتم غرفة الطوارئِ السريع وفي خضمّ عشرات المرضى، يسهل أن تسهو عن شيءٍ وأن تفوتك أشياء. ولأنك في كل الأحوال أول من يرى المريض، وفي كثيرٍ منها آخر من يراه..

إليكَ خمس نصائحٍ مما تعلمتُه في سنوات عملي:

  • خذ المزيد من التاريخ المرضيِّ قدر ما تستطيع: قد لا يسنح الوقت لذلك دائماً، إلا أن مفتاحاً مهماً -لحالة مريضك- قد يكمن في وراثةٍ عائليةٍ، عادةٍ يومية، نمطٍ غذائي، أو عمليةٍ جراحيةٍ أُجريت في فترة الطفولة.
  • راجع مصادرك: يميل التشخيص الصائب لحالة المريض أن يكون هو التشخيص الأكثر شيوعاً، إلا أن ذلك ليس صحيحاً في 100% من الوقت. حين يراودك الشك الإكلينيكي، أو عدم الارتياح لما يبدو عليه مريضك، اقرأ نبذةً في أحد مصادرك الطبية المختصرة. فقد تلفت نظرك إلى ما يجب عليك التدقيق فيه.
  • لا تتجاهل الزيارات المتكررة: حين يخرج المريض من المستشفى ثم يعود ثانيةً بنفس الشكوى، فقد يكون هناك ما يدعو لتمحيص النظر. و حين تشهد في فحوصاته نمطاً غير اعتيادي، فهناك حتماً ما لم تسبر أغواره. أعد تقييم الحالة ولا تفترض دائماً صحة التشخيص السابق ما لم يدعم بأدلة قطعية.
  • عينٌ أخرى قد ترى ما لا تراه: تبنى معرفتنا الطبية عادةً على خبراتنا السابقة، و تنزع أحكامنا فيها على ما اعتادت عليه أذهاننا. لا تتردد في طلب المشورة من زميلٍ لك، فقد يعرف أو يرى ما لم يخطر ببالك.
  • شارك مريضك بما ينبغي له بعد الخروج: إن آل مريضك في نهاية زيارته للطوارئ لكونه مُراجعاً راضياً.. فلا بد من مشاركته بما يستدعي رجوعه إليك لرعاية عاجلة، أو بما يستوجب متابعةً دورية في العيادات المتخصصة لمزيد من التقييم.

دمتم و دام مرضاكم بعافية .


حقوق الصورة البارزة: Joshua ChehovUnsplash


One response to “على سرير الطوارئ: مريضك غير النموذجي ..”

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *